.الاجازة الثانية إلى الأندلس ثم إلى تلمسان واللحاق بأحياء العرب والمقامة عند أولاد عريف:
ولما كان ما قصصته من تنكر السلطان أبي العباس صاحب فاس والذهاب مع الأمير عبد الرحمن ثم الرجوع عنه إلى ونزمار بن عريف طلبا للوسيلة في انصرافي إلى الأندلس بقصد الفرار والانقياض والعكوف على قراءة العلم فتم ذلك ووقع الإسعاف به بعد الامتناع وأجزت إلى الأندلس في ربيع سنة ست وسبعين وسبعمائة ولقيني السلطان بالكرامة وأحسن النزل على عادته وكنت لقيت بجبل الفتح كاتب السلطان ابن الأحمر من بعد ابن الخطيب الفقيه أبا عبد الله بن زمرك ذاهبا إلى فاس في غرض التهنئة وأجاز إلى سبتة في أسطوله وأوصيته بإجازة أهلي وولدي إلى غرناطة فلما وصل إلى فاس وتحدث مع أهلي في إجازتهم تنكروا لذلك وساءهم استقراري بالأندلس واتهموا أني ربما أحمل السلطان ابن الأحمر على الميل إلى الأمير عبد الرحمن الذي اتهموني بملابسته ومنعوا أهلي من اللحاق بي.وخاطبوا ابن الأحمر في أن يرجعني إليهم فأبى من ذلك فطلبوا منه أن يجيزني إلى عدوة تلمسان وكان مسعود بن ماسي قد أذنوا له في اللحاق بالأندلس فحملوه مشافهة السلطان بذلك وأبدوا له أني كنت ساعيا في خلاص ابن الخطيب وكانوا قد اعتقلوه لأول استيلائهم على البلد الجديد وظفرهم به وبعث إليه ابن الخطيب مستصرخا به ومتوسلا فخاطبت في شأنه أهل الدولة وعولت فيه منهم على ونزمار وابن ماسي فلم تنجح تلك السعاية وقتل ابن الخطيب بمحبسه فلما قدم ابن ماسي على السلطان ابن الأحمر وقد أغروه بي فألقى إلى السلطان ما كان مني في شأن ابن الخطيب فاستوحش من ذلك وأسعفهم بإجازتي إن العدوة ونزلت بهنين والجو بيني وبين السلطان أبي حمو مظلم بما كان مني في إجلاب العرب عليه بالزاب كما مر فأوعز بمقامي بهنين ثم وفد عليه محمد بن عريف فعذله في شأني فبعث عني إلى تلمسان واستقررت بها بالعباد ولحق بي أهلي وولدي من فاس وأقاموا معي وذلك في عيد الفطر سنة ست وسبعين وسبعمائة وأخذت في بث العلم وعرض للسلطان أبي حمو رأي في الزواودة وحاجة إلى استئلافهم فاستدعاني وكلفني السفارة إليهم في هذا الغرض فاستوحشت منه ونكرته على نفسي لما آثرته من التخلي والإنقطاع وأجبته إن ذلك ظاهرا وخرجت مسافرا من تلمسان حتى انتهيت إلى البطحاء فعدلت ذات اليمين إلى منداس ولحقت بأحياء أولاد عريف قبلة جبل كزول فلقوني بالتحف والكرامة وأقمت بينهم أياما حتى بعثوا عن أهلي وولدي بتلمسان وأحسنوا العذر إلى السلطان عني في العجز عن قضاء خدمته وأنزلوني بأهلي في قلعة أولاد سلامة من بلاد بني توجين التي صارت لهم بأقطاع السلطان فأقمت بها أربعة أعوام متخليا عن الشواغل كلها وشرعت في تأليف هذا الكتاب وأنا مقيم بها وأكملت المقدمة على ذلك النحو الغريب الذي اهتديت إليه في تلك الخلوة فسألت فيها شآبيب الكلام والمعاني على الفكر حتى امتخضت زبدتها وتألفت نتائجها وكانت من بعد ذلك الفيئة إلى تونس كما نذكره إن شاء الله تعالى.
.الفيئة إلى السلطان أبي العباس بتونس:
ولما نزلت بقلعة ابن سلامة من أحياء أولاد عريف وسكنت بقصر أبي بكر بن عريف الذي اختطه بها وكان من أحفل المساكن وأوثقها ثم طال مقامي هنالك وأنا مستوحش من دولة المغرب وتلمسان وعاكف على تأليف هذا الكتاب وقد فرغت من مقدمته إلى أخبار العرب والبربر وزناتة وتشوفت إلى مطالعة الكتب والدواوين التي لا توجد إلا بالأمصار بعد أن أمليت النكير من حفظي وأردت التنقيح والتصحيح ثم طرقني مرض أربى على البنية لولا ما تدارك من لطف الله فحدث عندي ميل إلى مراجعة السلطان أبي العباس والرحلة إلى تونس حيث قرار آبائي ومساكنهم وآثارهم وقبورهم فبادرت إلى خطاب السلطان بالفيئة إلى طاعته والمراجعة فما كان غير بعيد وإذا بخطابه وعهوده بالإذن والاستحثاث للقدوم فكان الخفوق للرحلة فظعنت عن أولاد عريف مع عرب الاجص من بادية رياح كانوا هنالك ينتجعون الميرة بمنداس وارتحلنا في رجب سنة ثمانين وسبعمائة وسلكنا القفر إلى الدوسن من أطراف الزاب ثم صعدت إلى التل مع حاشية يعقوب بن علي وجدتهم بفرفار الضيعة التي اختطها بالزاب فرحلت معهم إلى أن نزلنا عليه بضاحية قسنطينة ومعه صاحبها الأمير إبراهيم ابن السلطان أبي العباس بمخيمه ومعسكره فحضرت عنده وقسم لي من بره وكرامته فوق الرضى وأذن لي في الدخول إلى قسنطينة وإقامة أهلي في كفالة إحسانه ريثما أصل إلى حضرة أبيه وبعث يعقوب بن علي معي ابن أخيه أبي دينار في جماعة من قومه وسرت إلى السلطان أبي العباس وهو يومئذ قد خرج من تونس في العساكر إلى بلاد الجريد لاستنزال شيوخها عن كراسي الفتنة التي كانوا عليها فوافيته بظاهر سوسة فحيا وفادتي بر مقدمي وبالغ في تأنيسي وشاورني في مهمات أموره ثم ردني إلى تونس وأوعز إلى نائبه بها مولاه فارح بتهيئه المنزل والكفاية من الجراية والعلوفة وجزيل الإحسان فرجعت إلى تونس في شعبان من السنة وآويت إلى ظل ظليل من عناية السلطان وحرمته وبعثت إلى الأهل والولد وجمعت شملهم في مرعى تلك النعمة وألقيت عصا التسيار وطالت غيبة السلطان إلى أن افتتح أمصار الجريد وذهب فلهم في النواحي ولحق زعيمهم يحيى بن يملول ببسكرة ونزل على صهره ابن مزني وقسم السلطان بلاد الجريد بين ولده فأنزل ابنه محمدا المنتصر بتوزر وجعل نفطة ونفزاوة من أعماله وأنزل ابنه أبا بكر بقفصة وعاد إلى تونس مظفرا مزهرا فأقبل على وستدناني لمجالسته والنجاء في خلوته فغص بطانته من ذلك وأفاضوا في السعايات عند السلطان فلم تنجح وكانوا يعكفون على إمام الجامع وشيخ الفتيا محمد بن عرفة وكان في قلبه نكتة من الغيرة من لدن اجتماعنا في المرسى بمجالسة الشيوخ فكثيرا ما كان يظهر شفوفي عليه وإن كان أسن مني فاسودت تلك النكتة في قلبه ولم تفارقه ولما قدمت تونس انثال علي طلبة العلم من أصحابه وسواهم يطلبون الإفادة والاشتغال وأسعفتهم بذلك فعظم عليه وكان يسر التنفير إلى الكثير منهم فلم يقبلوا واشتدت غيرته ووافق ذلك اجتماع البطانة إليه واتفقوا على شأنهم في التأنيب والسعاية بي والسلطان خلال ذلك معرض عنهم في ذلك وقد كلفني بالأكباب على تأليف هذا الكتاب لتشوقه إلى المعارف والأخبار واقتناء الفضائل فأكملت منه أخبار البربر وزناتة وكتبت من أخبار الدولتين وما قبل الإسلام ما وصل إلي منها وأكملت منها نسخة رفعتها إلى خزانته وكان مما يغرون به السلطان قعودي على امتداحه فإني كنت قد أهملت الشعر وانتحاله جملة وتفرغت للعلم فقط فكانوا يقولون له إنما ترك ذلك استهانة بسلطانك لكثرة امتداحه للملوك قبلك وتنسمت ذلك عنهم من جهة بعض الصديق من بطانتهم فلما رفعت له الكتاب وتوجته باسمه أنشدت في ذلك اليوم هذه القصيدة امتدحه وأذكر سيره وفتوحاته وأعتذر عن انتحال الشعر واستعطفه بهدية الكتاب إليه فقلت:
هل غير بابك للغريب مؤمل ** أوعن جنابك للأماني معدلهي همة بعثت إليك على النوى ** عزما كما شحذا لحسام الصيقلمتبوأ الدنيا ومنتجع المنى ** والغيث حيث العارض المتهللحيث القصور الزاهرات منيفة ** تعنو لها زهر النجوم وتحفلحيث الخيام البيض ترفع للقرى ** قد فاح في أرجائهن المندلحيث الحمى للعز في ساحاته ** ظل أفاءته الوشيج الذبلحيث الرماح يكاد يورق عودها ** مما تعل من الدماء وتنهلحيث الكرام ينوب عن نار القرى ** عرف الكباء بحيهم والمندلحيث الجياد أملن شجعان الوغى ** مما أطالوا في المنار وأوغلواحيث الوجوه الغر قنعها الحيا ** والبشر في صفحاتها يتهللحيث الملوك الصيد والنفر الألى ** عز الجوار لديهم والمنزلمن شيعة المهدي بل من شيعة ** التوحيد جاء به الكتاب مفصلشادوا على التقوى مباني عزهم ** لله ما شادوا بذاك وأثلوابل شيعة الرحمن ألقى حبهم ** في خلقه فسموا بذاك وفضلواقوم أبو حفص أب لهم وما ** أدراك والفاروق جد أولنسب كما اضطردت أنابيب القنا ** وأتى على تقويمهن معدلسام على هام الزمان كأنه ** للفجر تاج بالبدور مكللفضل الأنام حديثهم وقد يمهم ** ولأنت إن نصبوا أعزوا أفضلوبنوا على قلل التخوم ووطدوا ** وبناؤك العالي أشد وأطولولقد أقول لخائض بحر الغلا ** والليل مدثر الجوانب أليلماض على غول الدجى لا يتقي ** منها وذا بله ذبال مشعلمتقلب فوق الرماح كأنه ** طيف بأطراف المهاد موكليبغي منال الفوز من طرق الغنى ** ويرود مخصبها الذي لا يمجلأرح الركاب فقد ظفرت بواهب ** يعطي عطاء المنعمين فيجزللله من خلق كريم في الندى ** كالروض حياه ندي مخضوضلهذا أمير المؤمنين إمامنا ** في الدين والدنيا إليه الموئلهذا أبو العباس خير خليفة ** شهدت له الشيم التي لا تجهلمستنصر بالله في قهر العدا ** وعلى إعانة ربه متوكلسبق الملوك إلى العلا متمهلا ** لله منك السابق المتهللفلأنت أعلى المالكين وإن غدوا ** يتسابقون إلى العلاء وأكملقايس قديما منهم بقديمكم ** فالأمر فيه واضح لا يجهلدانوا لقومكم بأقوم طاعة ** هي عروة الدين التي لا تفصلسائل تلمسانا بها وزناتة ** ومرين قبلهم بها قد ينقلوأسأل بأندلس مدائن ملكها ** تخبرك حين استأنسوا واستأهلواوأسأل بذامرا كشا وقصورها ** فلقد تجيب رسومها من يسأليا أيها الملك الوفي ياذا الذي ** ملاء القلوب وفوق ما يتمثللله منك مؤيد عزماته ** تمضي كما يمضي القضاء المرسلحيث الزمان يحت أعظم حته ** فافتر عنه وهو أكلح أعضلوالشمل من أنبائه متصدع ** وعلا خلافتهم مضاع مهملوالخلق قد صرفوا إليك قلوبهم ** ورجوا اصلاح الحال منك وأملوافعجلته لما انتدبت لأمره ** بالبأس والعزم الذي لا يمهلذللت منه جامحا لا ينثني ** سهلت وعرا كاد لا يتسهلوألنت من سوس العتاة وذدتهم ** عن ذلك الحرم الذي قد حللواكانت لصولة صولة ولقومه ** يعدو ذويب بها وتسطو المعقلومهلهل تسدي وتلحم في التي ** ما أحكموها فهي بعد مهلهلوالمراد بصولة هنا صولة بن خالد بن حمزة أولاد أبي الليل وذؤيب هو ابن عمه أحمد بن حمزة والمعقل فريق من العرب من أحلافهم ومهلهل هم بنو مهلهل بن قاسم أنظارهم وأقتالهم ثم رجع إلى وصف العرب وأحيائهم:
عجب الأنام لشأنهم بادون قد ** قذفت بحيهم المطي الذللرفعوا القباب على العماد وعندها ** الجرد السلاهب والرماح العسلفي كل طامي الرب منعقد الحصا ** تهدي للجته الظماء فتنهلحي شرابهم السراب ورزقهم ** ريح يروح به الكمي ومنصلحي حلول بالعراء ودونهم ** قذف النوى إن يظعنوا أو يقبلواكانوا يروعون الملوك بما بدوا ** وغدت ترفه بالنعيم وتخضلفبدوت لا تلوي على دعة ولا ** تأوي إلى ظل القصور وتهزلطورا يصافحك الهجير وتارة ** فيه بخفاق البنود تظللوإذا تعاطى الضمر في يوم الوغى ** كأس النجيع فبالصهيل تعللمخشوشنا في العز معتملا له ** في مثل هذا يحسن المستعملتفري حشى البيداء لا يسري بها ** ركب ولا يهوي إليه جحفلوتجر أذيال الكتائب فوقها ** تختال في السمر الطوال وترفلترميهم منها بكل مدجج ** شاكي السلاح إذا استعار الأعزلوبكل أسمر غصنه متأود ** وبكل أبيض شطه متهدلحتى تفرق ذلك الجمع الألى ** عصفت بهم ريح الجلاء فزلزلواثم استملتهم بنعمتلك التي ** خضعوا لعزك بعدها وتذللواونزعت من أهل الجريد غواية ** وقطعت من أسبابها ما أوصلواخربت من بنيانها ما شيدوا ** وقطعت من أسبابها ما أوصلواونظمت من أمصاره وثغوره ** للملك عقدا بالفتوح يفصلفسددت مطلع النفاق وأنت لا ** تنبو ظباك ولا العزيمة تنكلبشكيمة مرهوبة وسياسة ** تجري كما يجري فرات سلسلعذب الزمان لها ولذ مذاقه ** من بعد ما قد مر منه الحنظلفضوى الأنام لعز أروع مالك ** سهل الخليقة ما جد متفضلوتطابقت فيه القلوب على الرضا ** سيان منها الطفل والمتكهليا مالكا ومع الزمان وأهله ** عدلا وأمنا فوق ما قد أملوافالأرض لا يخشى بها غول ولا ** يعدو بساحتها الهزبر المشبلوالسرب يجتابون كل تنوفة ** سرب القطاما راعهن الأجدلسبحان من بعلاك قد أحيا المنى ** وأعاد حلي الجيد وهو معطلسبحان من بهداك أوضح للورى ** قصد السبيل فأبصر المتأملفكأنما الدنيا عروس تجتلى ** فتميس في حلل الجمال وترفلوكأن مطبقة البلاد بعدله ** عادت فسيحا ليس فيها مجهلوكأن أنوار الكواكب ضوعفت ** من نور غرته التي هي أجملوكأنما رفع الحجاب لناظر ** فرأى الحقيقة في الذي يتخيلومنها في العذر عن مدحه:
مولاي غاضت فكرتي وتبلدت ** مني الطباع فكل شيء مشكلتسمو إلى درك الحقائق همتي ** فأصد عن إدراكهن وأعزلوأجد ليلى في امتراء قريحتي ** فتعود غورا بعدما تسترسلفأبيت يختلج الكلام بخاطري ** والنظم يشرد والقوافي تجفلوإذا امتريت العفو منه جاهدا ** عاب الجهابذ صنعه واسترذلوامن بعد حول انتقيه ولم يكن ** في الشعر لي قول يعاب ويمهلفأصونه عن أهله متواريا ** أن لا يضمهم وشعري محفلوهي البضاعة في القبول نفاقها ** سيان فيه الفحل والمتطفلوبنات فكري إن أتتك كليلة ** زهراء تخطر في القصور وتخطلفلها الفخار إذا منحت قبولها ** وأنا على ذاك البليغ المقولومنها في ذكر الكتاب المؤلف بخزانته:
وإليك من سير الزمان وأهله ** عبرا يدين بفضلها من يعدلصحفا تترجم عن أحاديث الأولى ** درجوا فتجمل عنهم وتفصلتبدي التبابع والعمالق سرها ** وثمود قبلهم وعاد الأولوالقائمون بملة الإسلام من ** مضر وبريرهم إذا ما حصلوالخصت كتب الأولين بجمعها ** وأتيت أولها بما قد أغفلواوألنت حوشي الكلام كأنما ** سرد للغات بها لنطقي ذللوجعلته لسوار ملكك مفخرا ** يبهي الندي به ويزهو المحفلوالله ما أسرفت فيما قلته ** شيئا ولا الإسراف مني يجملولأنت أرسخ في المعالي رتبة ** من أن يموه عنده متطفلفملاك كل فضيلة وحقيقة ** الناس تعرف فضلها أن بدلواوالحق عندك في الأمور مقدم ** أبدا فماذا يدعيه المبطلوالله أعطاك التي لا فوقها ** فاحكم بما ترضى فأنت الأعدلأبقاك ربك للعباد تربهم ** فالله يخلقهم ورعيك يكفلوكنت انصرفت من معسكره على سوسة إلى تونس بلغني وأنا مقيم بها أنه أصابه في طريقه مرض وعقبه برء فخاطبته بهذه القصيدة:
ضحكت وجوه الدهر بعد عبوس ** وتخللتنا رحمة من بوسوتوضحت غرر البشائر بعدما ** انبهمت فأطلعها حداة العيسصدعوا بها ليل الهموم كأنما ** صدعوا الظلام بجذوة المقبوسفكأنهم جنات عدن في الورى ** نشرت لها الآمال من مرموسقرت عيون الخلق منها بالتي ** شربوا النعيم لها بغير كؤوسيتمايلون من المسرة والرضا ** ويقابلون أهلة بشموسمن راكب وافى يحيى راكبا ** وجليس أنس قاده لجليسومشفع لله يؤنس عنده ** أثر الهدى في المعهد المأنوسيعتد منها رحمة قدسية ** فيبؤ للرحمن بالتقديسطب بإخلاص الدعاء وإنه ** يشفي من الداء العيا والبوسوالمعني به إمام الجامع الأعظم جامع الزيتونة بتونس:
يا ابن الخلافة والذين بنورهم ** نهجت سبيل الحق بعد دروسوالناصر الدين القويم بعزمه ** طردت إمامتها بغير عكوسهجر المنى فيها ولذات المنى ** في لذة التهجير والتغليسحاط الرياضة بالسياسة فانطوت ** منه لا كرم مالك وسيوسأسد يحامي عن حمى أشباله ** حتى ضووا منه لأمنع خيسقسما بموشي البطاح وقد غدت ** تختال زهوا في ثياب عروسوالماثلات من الحنايا جثما ** بالبيد من طسم وفل جديسوخز البلى منها الغوارب والذرى ** فلفتن حذرا بالعيون الشوسلبقاك حرز للأنام وعصمة ** وحياة أرواح لنا ونفوسولأنت كافل ديننا بحماية ** لولاك ضيع عهدها وتنوسيالله أعطاك التي لا فوقها ** وحباك حظا بالموكوستعنو القلوب إليك قبل وجوهنا ** سيان من رأس ومن مرؤوسفإذا أقمت فإن رعبك راحل ** يحمي على الأعداء كل وطيسوإذا رحلت فالسعادة آية ** تقتادها في موكب وخميسوإذا الأدلة في الكمال تطابقت ** جاءت بمسموع لها ومقيسفانعم بملكك دولة عادية ** تشقي الأعادي بالعذاب البيسوإليكها مني على خجل بها ** عذراء قد حليت بكل نفيسعذراك قد طمس الشباب ونوره ** وأضاء صبح الشيب عند طموسلولا عنايتك التي أوليتني ** ما كنت أعني بعدها بطروسوالله ما أبقت ممارسة ** النوى مني سوى رسم أمر دريسانحنى الزمان علي في الأدب الذي ** دارسته بمجامع ودروسفسطا على فرعي وروع مأمني ** واجتث من دوح النشاط غروسيورضاك رحمتي التي أعتدها ** تحيي منى نفسي وتذهب بوسيثم كثرت سعاية البطانة بكل نوع من أنواع السعايات وابن عرفة يزيد في إغرائهم متى اجتمعوا إليه إلى أن أغروا السلطان بسفري معه ولقنوا النائب بتونس القائد فارح من موالي السلطان أن يتفادى من مقامي معه خشية على أمره مني بزعمه وتواطؤا على أن يشهد ابن عرفة بذلك للسلطان حتى شهد به في غيلة مني ونكر السلطان عليهم ذلك بعث إلي وأمرني بالسفر معه فسارعت إلى الامتثال وقد شق ذلك علي إلا أني لم أجد محيصا فخرجت معه وانتهيت إلى تبسة وسط وطن تلول أفريقية وكان منحدرا في عسكره وتوابعه من العرب إلى توزر لأن ابن يملول أجلب عليها سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة واستنقذها من يد ابنه فسار السلطان إليه وشرده عنها وأعاد إليها ابنه وأولياءه ولما فر من تبسة رجعني إلى تونس فأقمت بضيعة الرياحين من نواحيها لضم زراعتي بها إلى أن قفل السلطان ظافرا منصورا فصحبته إلى تونس.ولما كان شهر شعبان من سنة أربع وثمانين وسبعمائة أجمع السلطان الحركة إلى الزاب بما كان صاحبه ابن مزني قد آوى ابن يملول إليه ومهد له في جواره فخشيت أن يعود في شأني ما كان في السنة قبلها وكان بالمرسى سفينة لتجار الإسكندرية قد شحنها التجار بأمتعتهم وعروضهم وهي مقلعة إلى الإسكندرية فتطارحت على السلطان وتوسلت إليه في تخلية سبيلي لقضاء فرضي فأذن لي في ذلك وخرجت إلى المرسى والناس متسايلون على أثري من أعيان الدولة والبلد وطلبة العلم فودعتهم وركبت البحر منتصف شعبان من السنة وقوضت عنهم بحيث كانت الخيرة من الله سبحانه وتفرغت لتجديد ما كان عندي من أثار العلم والله ولي الأمور سبحانه.